الاثنين، 13 يونيو 2011

عالمنا اليوم عالم الاخوة الاعداء

يعتبر تولتسوي، دستويفسكي، مكسيم غوركي وغوغول من اهم كتاب الادب الروسي في القرن التاسع عشر و لعل دستويفكسي يعد الرائد بين الجميع في كتاباته الغزيرة وقصصه الطويلة الملئية بالتحليل النفسي.
فرائعته (جريمة وعقاب) لازالت خالدة على الرغم من مرور اكثر من قرن وربع عليها.
اما الاخوة الاعداء (كرامازوف )فهي ايضا من قصصه الشهيرة والتي جاءت بمثابة قراءة استبقت الاحداث فوصفت وضعية الانسان كما نعيشها اليوم اي صورت لنا مشاكل القرن الواحد والعشرين بكل حيثياته و مشاكله الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية
فيدور ميخائيلوفيتش دستويفسكي جاء ليغير الكثير من مفهوم الرسالة الادبية ويضفي عليها رسائل اتصالية اخرى تربوية ونقدية وتحليلية بالاضافة للرسالة الجمالية .
ولد دستويفسكي في عام 1831 بمستشفى صغير بموسكو، نشأ في بيئة غير مستقرة على الاطلاق بسبب الفقر والمرض وقساوة الاب ومجتمع يخضع لسطوة القيصر! كان دخوله معترك الادب ليس بسهلا نوعما الا أن مع اول رواية له الا وهي الفقراء دخله من اوسع ابوابه فالفتت اليه الجميع من نقاد وقراء التفاتة غير مسبوقة واصبح من المرحب بهم في الصالونات الادبية انذاك الامر الذي اصابه الغرور وجاءت نتاجاته بعد الفقراء ليست بالمستوى المطلوب لعبقريته . فتعرض لقسوة النقد والسخرية .

وبعد أن قبض عليه ضمن مجموعة من الثوار، وكاد يُعدم بالفعل، لولا تخفيفّ الحكم عليه ، ليقضى فترة قاسية جدا بين ثلوج سيبريا، الا انها كتجربة أنضجته، وعلمته الكثير، فترجم تفاصيلها في كتابه الرهيب ذكريات في منزل الموتى الذي حاز على إعجاب الجميع.
و بعدها تواليت رواياته، و مصائبه في نفس الوقت حيث توفيت زوجته، ثم لحق بها أخوه بسبب مرض في الكبد بالاضافة الى زيادة في نوبات الصرع الكارثية ، والتي كانت تجعله في أسوأ حالاته العصبية والذهنية ! وبعد حين بدأت تستقر الأمور، وينال حقه من التكريم والعرفان ، ويعترف به الجميع كواحد من أعظم الروائيين الروس!
وتحسنت اوضاع كاتبنا المادية فقام بشراء منزل في ستارايا روسا، ليصبح له أخيراً منزل يأوي إليه بعد رحلة عناء طويلة مع الفقر والتشرد والضياع.

في عشية عيد ميلاده سنة 1877 سجل في مفكرته الخاصة قصيدة، رواية "الإخوة كارامازوف". وبعد ثلاثة أعوام من الاخوة كارامازوف وافاه الاجل لانه كان مصاباً بمرض في الرئة، ولم ينفعه السفر المتكرر كل عام طلبا للعلاج.
وفي ليلة السادس والعشرين من يناير عام 1881، تدفق الدم الغزير من فمه. ورحل "دستويفسكي" عن عالمنا في الثامن والعشرين من يناير عام 1881.
أذن
كانت بدايته وانطلاقته الاولى في الادب مع رواية "الفقراء"، وفيها نرى قلم "دستويفسكي" المبكر في استشعار مشاكل مجتمعه.غلب على
أسلوب "دستويفسكي" خصوصية الوصف،المعقد والعميق لانه كان محترف الغوص في مكامن النفس البشرية .
أما أزمته مع البلاط الروسي كانت هي البداية المتوهجة، والتي صقلت موهبة وهذبتها، وجعلته محترف حقيقي في الصياغات الادبية الامر الذي سجل ذكرياته القاسية هذه في كتابه "ذكريات في منزل الموتى" بسطور من ذهب خالدة على الاطلاق .
وعليه كانت نتاجات "دستويفسكي" تنبع من تجاربه الشخصية التي يمرّ به، ثم سرعان ما تأخذ طابعها الإنساني الشامل. فمثلا كانت روايته "المقامر" تعبيراً عن حالته الشخصية ذاتها، عندما تعرض لذلك الداء الوبيل، ومن ثمّ كانت الكلمات مفعمة بالصدق، والحرارة.
و في رواية "الأبله" صور لنا شخص لا يعرف الكذب، ويعيش على طبيعته مع مجموعة من البشر، من سماتهم الكذب والخداع والغشّ!!
وينقل لنا "دستويفسكي" معاناة هذا الشخص وهو محور واشكالية الرواية المتمركزة على كيف يمكن لشخص كهذا أن يعيش وسط هؤلاء؟!! أما اقوى الازمات الحقيقة التي عاشها الروائي هي أزمة عدم الثقته في وطنه، و وبحثه الدام عن هل يمكن للروس أن يصنعوا من أرضهم وعقيدتهم وتراثهم صرحاً شامخاً ينازع أوربا، التي كان الكل يتطلع إليها في انبهار؟!
ولكن اين تكمن الاهمية في كل من روايةرائعة الجريمة والعقاب والاخوة كارامازوق
تأتي اهميتهما من كونهما يعبران عن حالة الفردمرة والمجتمع في المرة الاخرى وذلك من خلال شرائح منتقاة بعناية شديدة، تصلح لكي تكون شديدة الخصوصية والتعميم في ذات الوقت.
1. الجريمة والعقاب: تدور أحداث الرواية حول الطالب الفقير "راسكولنيكوف"، والذي يقتل مرابية عجوز من أجل مالها للوهلة الاولى . ولكن الواقع أن الموضوع ليس موضوع جريمة قتل وحسب ، ومن ثمّ يتوجب على القاتل أن يتلقى جزاءه من العقاب اطلاقا وانما "دستويفسكي" يتجاوز هذا المعنى التقليدي ، ليأخذنا في جولة متناقضة عمقة وصراع مرير في نفسية البطل الثائرة على كل الاوضاع ، سارداً بشكل عميق ومرهف دوافعه، وأفكاره، والأسباب التي جعلته يرتكب تلك الجريمة ومن ثم معاقبته لنفسه في الوقت ذاته .
فسر بعض النقاد ان العجوز المرابية هي روسيا نفسها، وما اعتراها من تحلل وتعفن ولكي يعاد بناءها من جديد لابد من القضاء على القديم أولاً، و لكن قتل "راسكولنيكوف" لأخت العجوزالمرابية البريئة عقد الامر بما فيه كفاية واعطاها بعدا اخر وليس فقط أخفاء آثار جريمته كما هو معلن ! وبمعنى أدق اشار دستوفسكي الى أن لا بناء بدون تضحيات يدفع ثمنها الابرياء بالذات .

أما في الإخوة كارامازوف فقد صورنا لنا دستويفسكي حالة مجتمع مصغر متمثلا في بيت او عائلة كارامازوف وليست فردا واحدا كما في الجريمة والعقاب .وفي كلتا الوايتنين نرى الصراع الفكري والمادي واضح جدا .

تعتبر الاخوة كرامازوف من أعظم روايات "دستويفسكي" على الإطلاق كونها آخر أعماله ، بعدما نضج أسلوبه، وفكره، وصار أكثر مقدرة على تطويع اللغة بشكل متدرج، فذّ.
نشرت الرواية على فصول في مجلة "الرسول الروسي" عامي:1879 /1880، في بداية الامر قبل أن تصدر بطبعتها الكاملة في 1880.


أذن (1879ـ 1880): Brithers Karamazov، The
آخر رواية خطتها براعة الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي Dostoevski. و توجت من شوامخ الأدب العالمي لما تمتاز به من سَبْر لأغوار النفوس البشرية. اسمها بالروسية Bratya Karamazovy. أبطالها فيودور كرامازوف، وهو ملاَّك عجوز متهتِّك، وأولاده الثلاثة دمتري Dmitri الشَّهواني، وإيفان Ivan المفكِّر، وأليوشا Alyoshax الصوفيّ، وولد له رابع ولكنه غير شرعي ومعاق يُدعى سمردياكوف يُقْتَل الأب ويُسْلَبه في ظروف تشير كلها بإصبع الاتهام إلى دمتري فيُعتقل ويسجن، ثم يتبيّن للقارئ في نهاية الرواية أن القاتل هو سمردياكوف. Smerdyakov

الرواية بتفاصيلها تحكي عن الأب "فيدور بافلوف كارامازوف" المنحطّ، المستهتر البخيل القاسي والذي لا يعرف من الحياة غير متعته الشخصية حتى على حساب اولاده .وكان من الممكن أن يستمر بهذ الاسلوب من نمط العيش لولا أبناؤه، أو "الإخوة كارامازوف" كما سمى "دستويفسكي" روايته.
وتدولا احداث الرواية محبوكة حول مقتل الاب في ظروف غامضة ومتشابكة للغاية لان كل ابناءه كانوا يتمنون موته والتخلص من عبثه ، ويتهم الابن الأوسط "ديمتري" بمقتله لكثرة الشجار العلني معه وتهديده بالقتل لله على مرأى ومسمع من الجيران وتنافسهم على نفس المرأة وحرمان دمتري من ميراث والدته علما ان كرامازوف كان متزوج أكثر من أمرأة ولذا جاء الاخوان كل واحد منهم من أم واسوء ما فيهن والدة سمردياكون لانها كانت خادمة للاب وبدون عقد شرعي وضاجعها على نهر جامد في يوم قارص البرد في نزوة من نزواته لذا لم يعترف بسمردياكوف كأبن شرعي له وعاش في بيت كارامازوف بصفة خادم لكرامازوف ، ثم نعرف بعدها أن القاتل الحقيقي هو "سمردياكوف" الابن الأبله المعاق ، والذي تأثر بأفكار "إيفان" الملحدة، عن حرية الشخص في فعل ما يريد بعد غياب الخالق .
وهنا تضعنا الرواية في إشكالية البحث عن القاتل الحقيقي للأب؟ هل هو "ديمتري" الذى كان يكره والده لاسباب ذكرناها ويتمنى له الموت العاجل (علما أن هذا ما كان يشعر به "دستويفسكي" فعلاً تجاه والده، وقد وجد مقتولاً ذات يوم، مما جعل الابن يتصور نفسه مسؤولاً بشكل أو بآخر عن قتل والده لأنه يكرهه، ويتمنى الخلاص منه! ) أم "إيفان" المحرض الفعلي لسمردياكوف الجاهل بأفكاره التحررية الالحادية ، أم "سمردياكوف" الذي قتله فعلاً ايمانا بما ملئ عليه ايفان وتصوره بأنه الضحية المظلوم المهمش من قبل كارامازوف الاب ؟!!
أما "إليوشا "فكان رسول السلام في الرواية وفوق كل الشبهات ، والجانب الانساني المستقر فيها كونه قديس وزاهد للحياة وكون التحول المجتمعي لازال في بداية الصرع الدائر بين الافكار المتمثلة بالالحاد والايمان بين القائد والمنقاد أيهما الاقوى والاصلح ولمن الغلبة في نهاية المطاف .
الصراع الحقيقي الذي نقله الكاتب لنا في البحث عن القاتل هي نفسها الصراعات لايجاد الاجابات على المحاور التالية : من هو القاتل الحقيقي ؟هل هو الشخص المنفذ للجريمة ؟او المحرض لها ؟أو المتمني وقوعها ؟ وهل الدافع الفعلي لوقوع حدث الجريمة هو المال ام الفكر المتمثل بالسياسة ؟ ومن الاصلح لحل الاشكالات الالحاد ام الايمان ومن هو الاكثر وضوحا وتفهما للحياة الزاهد ام الطامع في أمور الدنيا مع العلم بما ان الكاتب واقعي ترك الاجابات على عاتق المتلقي والقارئ للرواية لانه لم يميل بصورة واضحة لاي جهة ولم يرجح جهة على الاخرى وانما نقل لنا وبمعق ووضوح سلبيات وايجابيات كافة الجوانب !!!الامر الذي جعل القارئ يغوص مع الكاتب في كل هذه المعطيات وبالنتيجة استنادا لما هو يؤمن به سيختار الجانب الصلح وبمعنى ادق كشف لنا دسيفسكي كل الاوارق الفكرية المشاعة انذال والتى يحطها الغموض في الكثير من الجوانب فجاءت احداث الرواية لتسلط الضوء عليها وبكل جرئة.

الواقع أن الأبناء: "ديمتري و إيفان و إليكسي او اليوشا " يمثلون مراحل تطور شخصية "دستويفسكي" نفسها كما يرجح بعض النقاد بصراعها الفكري والمادي ، أو بنية المجتمع الروسي نفسه كما يرجح البعض الآخر! فالابن الأول "أيفان " كما يقول عن نفسه: "إذا لم يوجد الله، فكل شيء مباح!.. فهو شخصية مثقفة، ملحدة !
هذه الشخصية تعبر عن "دستويفسكي" بعد خروجه من المعتقل، وصراعه الدامي مع التيارات، وبحثه عن مرفأ لروحه القلقة المتمردة، بينما كانت شخصية "ديمتري" معبرة عن شباب "دستويفسكي": الشاب المفعم بحب الحياة، والمليء بالخطايا، لكن نفسه مشرقة بحب الخير، وينظر للغد في أمل.
ويمثل "إليوشا" القسيس، المتعبد المرحلة الأخيرة من حياة "دستويفسكي" كما ضن البعض بعد أن وجد خلاص نفسه في الرهبنة وزهد الدنيا ".
أما سمردياكوف فهو الجزء المخزي من حياته والذي لا يريد له ان يعرف ولا ان يعترف به فالرواية أذن بوجه عام جاءت لتعبر عن "روسيا" بكل سلبياتها وايجابياتها وبكل شرائحها وقطاعاتها و وبكل صراعاتها وتناقضاتها وتطوراتها ، لذا يمكن اعتبارها عالماً مصغراً للمجتمع، ولذات "دستويفسكي" نفسه!
فصراع المال مع الفكر مع الدين مع ملذات الحياة جعل من الرواية عالم له ابعاده وتداعياته وصراعاته ومن ثم أنتصاراته وتحديد ملامحه المستقبلة المتمثل بانتصار الابوة رغم كل شئ وجسد ها دستويفسكي بقبول ديمتري العقاب بالنفي الى سبيريا على جريمة لم يرتكبها ولكنه فكر بها في يوم من الايام في حق أبيه .

بالاضافة الى ان الرواية عالجت الكثير من مشاكل الحياه وتناولت الكثير من المفاهيم السائدة كالفقر والغنى والوفاء والجهل والانتقام بأشكالة المتعددة والمختلفة والجشع والطمع والبغاء والتدين والالحاد و بمعنى ادق صورت عالمنا بكل جوانه المشرقة منه والمظلمة .

كتب دستويفسكي الروائع التالية :

1-الفقراء , 2- المثل , 3-قلب ضعيف , 4- نيتوتشكا نزفانوفنا , 5- الليالي البيضاء , 6- بروخارتشين ,7- الجارة ,8- المهرج , 9- السارق الشريف , 10- البطل الصغير , 11- قصة في تسع رسائل , 12- شجرة عيد الميلاد والزواج , 13- زوجة آخر، ورجل تحت السرير , 14- قرية ستيبا نتشيكوفو وسكانها , 15- حلم العم , 16- مذلون مهانون , 17- ذكريات من منزل الأموات , 18- في قبوي , 19- قصة اليمة , 20- ذكريات شتاء عن مشاعر صيف , 21- التمساح , 22- المقامر , 23- الزوج الأبدي
24- الجريمة والعقاب , ا25- لأبله , 26- الشياطين , 27- المراهق , 28- الإخوة كارامازوف

أ.د.أقبال المؤمن

ليست هناك تعليقات: