الثلاثاء، 30 مارس 2010

حمائم السلام وغربان العربان وأسود بلا برلمان

اصبح مفهوم الانتظار مفردة لا يمكن الاستغناء عنها في ديمقراطية العراق .فمنذ عام 2003 و نحن ننتظر . ننتظر التشريع وننتظر الاعمار وننتظر الامن وننتظر التعينات الوظيفية ..والقائمة تطول واليوم ننتظر تشكيل الحكومة المقبلة . خلال فترة الانتظار هذه تكتب السيناريوهات المتنوعة المعقولة منها وغير المعقولة , الواقعية وغير الواقعية , واصبحت الساحة العراقيه السياسية مسرحا للابداع والنقد والاشاعات لكل العالم , ولمسنا كل من هب ودب منظرا بقضايا العراق ويؤكد على حقه هذا ولا نعرف لماذا ومن اين جاء بهذا الحق . ولكن هل هذه ظاهره صحية او نقمة لا تخدم الشعب العراقى . الحقيقة اختلفت الاراء بالاجابة هنا ايضا حول هذه الظاهره فمنهم من يقول هذه ضريبة الديمقراطية ومنهم من يضعها في باب التدخل فى شؤون العراق ومنهم من ينتظر ليحكم فيما بعد !.

ولكن لماذا يحصل كل هذا ومن هو المسؤول عنه ؟

لو نظرنا لتجارب الشعوب بمختلف ظروفها لوجدنا حالة العراق متميزة جدا بينهم , لا لانه متنوع القوميات والاديان , ولا لانه الرائد في بناء الديمقراطية في الوطن العربي , ولا لانه تحت البند السبع ونحن في سنة 2010 .., وأنما لانه يقع بين جارتين ومحتل او صديق منقذ كما يطلق عليه مختلفين بكل الافكار والاساليب والمذاهب والاتجاهات وكل منهم له اجندته الخاصة في العراق يعني الصراع القائم حاليا هو بين السنة والشيعة والمسيح واتباعهم في كل العالم على حدا سواء (علما من المنطق ان يكون الدين بعيدا عن السياسة في كل الاحوال وخاصة في عصر العولمة) وبهذه الاجندات المتجاورة والمتباعدة والمتسلطة على العراق و نتائجها في التكتلات والاحزاب الداخلية وامتداداتها وولائاتها الخارجية مضافا اليها الاجندة الاقتصادية المتمثلة بالصادرات النفطية و الواردات التي تحتاجها الاسواق العراقية المتعطشة لكل شئ من الابرة للطائرة , أصبح الشعب العراقي وبأسم الدين والسياسة والاقتصاد والديمقراطية الذكية ضحيتهم بأمتياز . واستنادا عليه نرى التكتلات كنوع من رد الفعل طائفيا كانت ام قومية ضخمت الامور الى حد النقمة واصبح العراق كبلد في دوامة الصراع على البقاء لا يعلما الا الله لان كل من حولة يفكر بمصلحته الخاصة تاركا العراق وشعبه يصارع الحياة لوحده .

أذن عتبنا اليوم لا يقع على هذه الاجندات ولا على الجار والمجرور والفاعل الاجنبي وانما على المفعول به من الساسة العراقيين والذين تركوا الحبل على الجرار يتحكم بهم بمسميات ما انزل الله بها من سلطان مرة كون العراق لا يمكن فصله عن محيطه العربي واخرى العراق بلد محتل وثالثة الحكم للاغلبية بغض النظر عن الجودة ورابعة العراق لايشبه بلدان الله لاسباب لا يدركها العقل البشري وهلم جرى وهذا ما سمح لحمائم السلام وغربان العربان تحط متى ما تشاء واينما تشاء مسبوقة بكرم الضيافة . وعلى رأي المثل سمحناله يدخل دخل بحماره !

امريكا ! والكل يعرفها متقدمة على العالم في كل شئ علميا وسياسيا واجتماعيا ولها اكبر منظومة بحثية ودراسية في كل المجالات . هذه المنظومة البحثية اليوم تعمل لدراسة كل شاردة و وارده حول العراق وعن العراق وفي العراق ولا اعرف هل تمول من العراق أم لا , المهم همها الاول اليوم هو العراق .
لننظر كيف:

كلنا استبشر خيرا بالتجربة الانتخابية في العراق وبما اننا شعب يصفه التاريخ بالارتجالي بعديدا عن النقد والتحليل كانت لنا حسبتنا ولهم اخرى وهي الاذكى طبعا , واول هذه الحسبة النتائج بتوزيع المقاعد البرلمانية والفاعلة بتشكيلة الحكومة . بالمختصر المفيد كلنا صفقنا للفائز ولا يوجد فائزا وكلنا حزنا للخاسر ولا يوجد خاسرا وهذا طبعا ما خطته الحسبة الامريكية وفرضته علينا .عجيبة هي العقلية العلمية البحثية للدراسات الامريكية المتعمقة بالمجتمع العراقي وبتركيبته الاجتماعية والسياسية على حدا سواء وكأنها تعرفنا شخصا شخصا وبدون اي قناع ولا يهمها التكهنات والسيناريوهات المفتقرته لاي مرتكزا علميا كونها تعرف مسبقا كيف ستكون النتائج لا كما نريدها نحن وانما كما يريدوها هم وبالمليم !.

وها هي الساحة السياسية العراقية في غليان لا نعرف له بداية ولا نهاية , من يتآلف مع من رغم كل الخلافات والاختلافات ولصالح من ستكون الصدارة بما ان لا يوجد خاسرا ولا فائزا سوى معاناة شعبنا ومظلموميته بهذه الحسبة , النتائج التى اعلنتها المفوضية وبمساعدة المشرفة الامريكية وفي الحظات الاخيرة كما قيل لها سحر عصى موسى في التشكيلة الحكومية , اي لا يمكن لاي مكون ان يشكل الحكومة المقبلة لوحده أطلاقا , بحجة ان العراق لا يمكن ان تحكمة طائفة واحدة او قومية واحدة وكأن العراق لم تحكمه حكومة من قبل ابدا وانما نزل من المريخ ولا يوجد اي مكون نزيه في كل مكونات العراق علما اغلب شعوب العالم متنوعة الاعراق والاديان لكن الحكومات تقتصر على مكون واحد وبكفائة عالية ! يا لسحر العصى الامريكية الساهرته على مستقبل العراق .

بالنتيجة لا يمكن لاي محلل ان يتكهن من سيتفق مع من لتشكيل الحكومة لاعتبارات افرزتها الساحة العراقية القديمة منها و الجديدة , فمثلا هل سيتفق الوطني مع القانون والاكراد هذا وارد ولكن غير محتمل لاسباب يعرفها الجميع .طيب ! هل سيتفق القانون مع العراقية هذا وارد ايضا ولكن غير محتمل ولاسباب اخرى مختلفة يعرفها الجميع اذا هل يتفق الوطني مع العراقية وبعض المقاعد الاخرى ايضا هذا وارد وغير محتمل لاسباب أكثر اختلافا مما نتوقع , وفي كل الاحوال الحسبة ستطول وبالنتيجة ستكون للعصى السحرية الامريكية مفعولا اخر ناهيك عن سحر الجارتين الايرانية والسعودية في ترتيب امور البيت العراقي . يا للمصيبة !
ولكن
اين هي حكمة الساسة العراقيين وعصاهم التي من المفروض أن تلتهم كل الافاعي والاقاويل بقدرتهم وحنكتهم السياسية ؟

الحقيقة نرى ان مصالحهم الخاصة وتوجهاتهم وولائاتهم التى تصب في كل الاتجاهات عدا ولائهم للعراق و مصلحة العراق هي سيدة الموقف . و تركونا نعول على الزمن أمر اتفاقهم الذي عسى ولعل في يوم من الايام سيدير دفة سياساتهم لمصلحتنا ولو هذا سيدفع العراقيين الكثير من التعب والانتظار والتضحيات وهل سنرى هذا اليوم او لا أم ستبقى اسودنا بلا برلمان تنتظر هي الاخرى من يرشدها الى عرينها !.

انا طبعا لا ادعوا للتشاؤم ولا حتى افكر به ولكنني ادعو للمنطق الذي يجب ان تقوم عليه سياسة العراق والتى بدءت اول الخطى في مجال الديمقراطية وان يكونوا على قدر من المسؤولية لان الشعب لا يطيق الانتظار اطول وستكون الارادة الشعبية اقوى مما يتصورا .

اتقفوا يا ساسة العراق بعيدا عن الجارة الفلانية او العلانية او امطيرة الطايرة بالبيت ودعوها هذه المره ولوجه الله تكون حسب ارادة الشعب لا ارادة امطيرة والجيران . فعلاوي او المالكي او الوطني او التوافق كلها قوائم اختارها الشعب بملئ ارادته ولابد ان تستجيبوا لأرادة الشعب كما استجاب لها القدر . حينها سيكون العراق هو الفائز الحقيقي وستكون حسبتكم اقوى من الحسبة الامريكية والاخوة الاعداء والاشقاء وتنتصر الديمقراطية بذكاء ساستها وسنكون لكم من الشاكرين .
وعلى رأي غاندي . اذا قابلنا الاساءة بالاساءة فمتى تنتهي الاساءة !

أ.د.أقبال المؤمن

الأحد، 21 مارس 2010

طبخات سياسية بالبهارات الكردية والعذال عفلقية

لازال العراق بكل طوائفه يترقب وبحذر شديد نتائج الانتخابات التي لا تزال مجرياتها غامضة رغم كل التسليط الاعلامي عليها , كانت النتائج المصرح بها وبطريقة نفسية مدروسة لتهيئة الخاسر لا تشفي غليل المتلقي , و لم تكن منطقية اطلاقا بالاضافة الى تعالي الاصوات المنددة والمحذرة والمشككة بها واكثرهم طالب بأعادة الفرز , فأصبح العراقيون يصحون على فوز علاوي وينامون على فوز المالكي , والقنوات العربية تطبل لعلاوي وتعتم على المالكي ناهيك عن اصوات النشاز التي اصبحت مرابطة في اغلب الفضائيات المشترة لنفس الاحاديت والاقوال والآنا التي ما بعدها آنا من قبل الضيوف ! والشارع العراقي في غليان ونفير عام مصحوب بالاشاعات التي تشل اكبر عالم نفسي بالوجود , فالحكومة ليس بحكومة والانتخابات زورتها الشركة المالكة والمملوكة لمجاهدي خلق والممنوعة دوليا , وعلاوي طلع ليس بعراقي والبعثية راجعين وبجاه علاوي , والعربان مطمئنة لان ما دفعوه جاء بنتائج مرضية للغاية , والعفلقية لا عذال ولا بعثية بقدرة قادر هم رجال الامريكان الاوائل ( انظر الرابظ في الاسفل ), اما المالكي فعليه فيتو من الصدريين والعلاويين معا وتعرض لمحاولة اختيال مدبرة لا تعرف من اين ولماذا ! والائتلاف الوطني تبين تبعية , والصدريون هم الاكثر فوزا وتحكما , والاكراد بهارت الطبخه السياسية والكل يطلب ودهم والتقرب منهم لانهم جوكر اللعبة والطبخة ما تحله الا بهم والجماعة مرابطين بالشمال حتى تستوي الطبخة برش الجوكر ! والامريكان والايرانيون يتناطحون على وجودهم في العراق والفوز بالغنيمة ! والشعب العراقي لا حولة ولا قوة له رفع شعار الذي يتزوج أمي أيكون عمي ! فالضياع بتشتت الاراء وضبابية المستقبل لا يختلف عليهما أثنان من الداخل والخارج ! والمفوضية المسكينة حيادية للغاية ! والجيش الامريكي نزل الساحة خوفا من انقلاب مفاجئ لاسامح الله , وعلى هل رنه اطحينك ناعم ! يعني اكلوا علينه فرحة الانتخابات وابوها , والي يعجبه يعجبه والي ما يعجبه ايبلط البحر !

طيب لنفرض جدلا ان كل ما قيل به نسبة من الصحة اذن اين هي الجهة الرسمية التي يقع على عاتقها توضيح كل هذه الامور وتحليلها ومن تم مصارحة الشارع العراقي رسميا بها !
بكل دول العالم الي الله ناعم عليهم ديمقراطيا يصارحون الشارع بكل شاردة و واردة ولا يخافون لومة لائم يعني المريض يقولون عليه مريض والشاذ شاذ والفاسد فساد والعدو عدو والتزوير تزوير , بصورة رسمية وبنفس الوقت لذلك شعوبهم مطمئنة ولا تلجأ للقيل والقال و لا الى الاشاعات و وجع الرأس فالثقة متبادلة بينهم والحمد لله !
فياليت تعدينه صراحتهم ونصارح شعوبنا بكل ثقة و نحسب لهم الف حساب على الاقل نرفع عنهم كابوس من الكوابيس المخيمه عليهم كالفقر والمرض ونقص الخدمات والبطالة , الا وهو كابوس القلق و نريحهم من كثرة الاقاويل والاشاعات و ودعهم يقولون عنا نحن مرضى بالصراحة الديمقراطية .. قادر ياكريم !
ثم هل من المنطق بعد كل التحديات التي قام بها الناخب العراقي تصادر اصوات وامال العراقيين بكل هذه البساطة وبدون احساس بالمسؤولية !
بالمناسبة كل تخلف الوطن العربي السابق والحالي ويمكن اللاحق يعلقوه فرسان القومية وزعماء العرب وقادتهم على قضية العرب الكبرى الا وهي فلس طين والمصيبة فلس الطين هذا أخذ يصغر الى حد اللعنة بالكاد نرى او نسمع عنه شيئا اليوم , وتحولت القضية الى كرة (مفشوشة ) او نائمة و كل واحد يرميها على الثاني ومن خارج الملعب لانها تزعجهم و بدون فائدة تجزى منها , وضربوا بكل جدارة و بدون رحمة كل الذوق العام العربي واهتماماته واصبحت القضية من خبر كان !.

خوفي اليوم ان تصبح تجربة العراق الديمقراطية قضيتهم الثانية بعد ان تنصلوا عن الاولى وعلى يد بعض الساسة العراقيين وتصبح بجهودهم المشكورة كرة ممزقة وبدون ملعب وبلا لواعيب بالمختصر المفيد لا اللاعب بعد ينفع ولا الكره لها لزوم اصلا لان الشعب فقد متعة المتابعة وانعدمت الثقة بين الجميع وخاصة بهم شخصيا , وعيش يا كديش لمن يجيك الحشيش !

يقال الديمقراطية تضمن للفرد حرية الكلمة ولكن اي كلمة وفي اي مجال وكيف ؟ ! ساستنا طبقوها بالعكس مثل لا تقربوا الصلاة ويسكتوا ...
ياجماعه يا اهل الحل والربط يا ساسة الديمقراطية حرية الرأي تعني حرية الكلمة المسؤولة وليس التسقيط والاقاويل والتنصل من المسؤولية وحرية الكلمة لا تعني اليوم اقول شيئا وغدا انفية او اتنصل عنه او اذا امكن اقوم بتحويره وبأستغفال الكل !
هل هذا يا سادة ياكرام منطق السياسة العراقية الجديد هل نحن في وضع يسمح بكل هذه الخربطة الاعلامية والديمقراطية الفوضوية ! خذ عندك علماني وصدامي مناضل وحرامي رجل دين ومرتشي خطيب ومنافق جاهل ومنظر يؤمن بالمساوات وينادي بالعنصرية ملحد ومعمم وهلم جرى ضاع الخيط والعصفور !

اما احترام الرأي والرأي الاخر يمكنك التحدث عنه بلا حرج فالكل شاهد ما عرضته الفضائيات العربية من مناظرات مرئية و مسموعة ولكنها كانت مصارعات سياسية على مبدء مصارعة الثيران الاقوى هو المنتصر والمذيعة والحمد لله خريجة مدرسة فيصل القاسم همه الاول والاخير ان تصب الزيت على النار والضيوف وبطريقة قبلية تثور ثائرتهم على كل سؤال مثير واستلم يصبح الحديث شروي غروي و المتفرج في ذهول لا يعرف من منهم يصدق و من منهم يكذب !ولذلك ترجم دهشته بجملة التعجب هذه.. هل يمكن لهؤلاء ان يمثلونا برلمانيا ؟! لان شر الغسيل كان لا يحتمل ناهيك عن الكل يريد ان يكون هو الشار وليس المشرور والشاطر لو كان غسيله اكثر والحبل بيد المذيعة وكأنهم دمى تتحكم بهم وتحقق معهم على مبدئ الطريقة الصدامة المخابراتية بعيدة عن التعبير والاراء المتبادلة والجو الديمقراطي الهادئ فالكل كان مشحون !!! وابشركم لا شاهدنه ولا سمعنا لا رأي ولا رأي اخر والمصيبه ضيعنا الرأي بالكامل ! وعلى رأي اخواننا الصينيين ليس للاكذوية ارجل ولكن للفضيحة أجنحة , وهذا ما جنيناه من هذه المناظرات الفضائية المدفوعة الثمن وهدفها كان التسقيد فقط والطعم بلعه الكل وبأمتياز !!

وعلية نرجو من هم بيدهم زمام الامور ولازلنا نكن لهم كل الاحترام والتقدير و نراهن على رجاحتهم السياسية في ضبط الامور وتصحيح المسار و ان ينظروا للشعب العراقي ويقرروا ما هو لصالحه ليكون لهم التاريخ خير حافظا . وان ينصتوا لمطالب الشعب العراقي لان الشعب هو الرصيد والقاعدة المتينة فالجالس على الارض لم يخشى السقوط .

و في ختام حديثي اود ان أذكر بما قاله الرئيس الامريكي رونالد ريغين عن السياسة حين قال بأن السياسة هي ثاني اقدم مهنة في التاريخ ..ولكن تعلمت من تجاربي بأنها تشبة الى حد صاعق المهنة الاولى ..

وخوفي من ان تكون المهنة الاولى تجسدت عند الكثير من سياسيينا وتصبح مقالتنا لا حياة لمن تنادي فطبع المهنة في الكثير من الاحيان يتغلب على تطبعها .. ...

أ.د.أقبال المؤمن

شاهدوا هذه الروابط واحكموا بأنفسكم

http://www.4newiraq.com/news/?sid=6341

http://www.youtube.com/watch?v=mGKcgI_XKng&feature=fvsr

الخميس، 11 مارس 2010

سياسة القرود ام قرود السياسة

مايراودنا فعلا اننا نعيش وسط قرود السياسة وعلى مبدء سياسة القرود , فبعد ان عشنا نشوة الانتخابات وأخذنا نفسا عميقا وبدئنا بالعد التنازلي مترقبين فرحا ولادة السلطة التشريعة الجديدة والمعول عليها لانقاذ الشعب العراقي المغلوب على أمره , وبناء مرافق الحياة العامة وخاصة البنية التحتية , و القضاء على البطالة بأيجاد فرص العمل واسدال الستار على كل ممارسات البرلمان السابقة والمخيبة لأمال العراقيين والتطلع لعراق جديد كما رسمه الشعب بحبره البنفسجي , و لكن لم تمض على هذه الفرحة كثيرا حتى بدء العد التصاعدي للحيلولة دون ولادة البرلمان المرتقب . ويبدو انها ستكون ولادة متعسرة ولا ننجو منا الا بعملية قيصرية كما عودنا ساسة العراق .

وها هي الاخبار والاقاويل والشكوك والطعونات والخروقات والتهديدات وغيرها من المسميات والتي لها مفعول اقوى حتى من القنابل الذريه في تحطيم امال العراقيين وتدمير نفوسهم . و سيول القنابل قد وصلتنا علننا وبكل الوان الطيف الشمسي والفني والخبري والدرامي والكوميدي من الشرقيه والعربيه والبغدادية والجزيرة بجدارة وغير مأسوفا علينا لاننا عراقيين فقط , حتى ان اغلب العراقيين عزفوا عن سماع الاخبار (القنابل مدفوعة الثمن )لاننا اصبحنا على يقين من اهدافهم (النبيلة والتي تتماشى مع اهداف الاعلام الملتزم والهادف جدا ) الا وهو تشويش ارائنا والتشكيك في قناعاتنا والسعي على احباط مساعينا لانهم استكثروا علينا فرحة الانتخابات بعد ان عشنا ثلاثه ايام ليس لها مثيل منذ عام 2003 و في كل العالم العربي الذين هم ينتمون اليه ويعملون بأوامره الاعلامية والمضادة و كلنا يعرف من هم وراء هذا التشويش ولماذا يتصرفون بهذه الاساليب وكيف تعاونوا مع ساستنا للاسف الشديد وهم على معرفة تامة ان تصرفاتهم هذه لا تنم باي حال من الاحوال للسياسة بشئ و لا تليق بأي سياسي يحترم نفسه على الاقل .اذن هل هو غباء ام علم سياسي جديد من قبل حضرات
ساستنا العظام ؟ دعونا نرى أذن !

يقول أنشتاين : شيئان لا حدود لهما ... العلَم و غباء الإنسان .

وعليه فسلوكيات هؤلاء الساسة لا تنم عن علمهم بعالم السياسة اطلاقا لان العلم له مقومات يستند عليها كالنظرية و التدقيق والاحصاء والتجارب والتريث والتدبر وما الى ذلك فالعلم اليوم لا حدود له وها نحن في عصر العلم والتكنلوجيا التى تجعل من المجرم بريئا ومن السارق عفيفا ومن الزاهد فاسقا استنادا لبرامج الحاسوب والانترنيت المتنوعة كالفتو شوب والدعاية مدفوعة الاجر وبنفس الوقت لا تنطلي هذه الاعلاعيب وبفضل الكمبيوتر ايضا على اغلب المتابعين والملمين فى عالم الكمبيوتر والانترنيت . و بما ان كل ما يقال ويشاهد يخضع لهذه المقايس العلمية فبالتالي ستعود على اصحابها بالفشل وخيبة الامل عاجلا ام اجلا ومهما تعددت اساليب الاحتيال والتشويش .فما نسمعه اليوم من الاخبار و الطروحات على الساحة العراقية من قبل بعض السياسيين المخضرمين فى عالم السياسة كما يدعون ما يدعو للضحك حد الانفجار لانه بعيد كل البعد عن المنطق العلمي السياسي الرصين .

اذن هل هو من الغباء السياسي ! طيب .. كيف ... كلنا يعرف مفهوم العلم وعقلانيته ونسعى جاهدين للتحلي به لكن الغباء نبتعد عنه حتى ونحن نتمتع به في بعض الاحيان . فالغباء هو صفة اللاعقلانية عند الانسان ويدل على العجز وعدم الفهم الصحيح للامور وهذه بحد ذاتها يمكن ان تكون لحظات يمر بها اي فرد وفي اي لحظة وفي بعض الاحيان يشعر بها وفي احيانا اخرى لا .اما اذا لازمت هذه الحالة الفرد لسنين و اصبحت صفة تلازمه دون ان يعيها أذن فلابد له ان يتعالج منها فحالته مستعصية لانه مصاب بالغباء رسميا !

وهنالك اراء تقول ان الغباء قد يكون السبيل الوحيد الى نقطة بداية النجاح ! على مبدء ربه ضارة نافعة . فيا ترى هل ساستنا المشاغبون والمتمتعون بنعيم غبائهم هذا يسعون الى نقطة النجاح !

وعلى ذكر الغباء ومعرفة قياسه هناك تجربة علمية قام بها مجموعة من علماء النفس اعجبتني جدا ولما لها من علاقة بموضوعنا هذا سأسردها لكم وبعدها نعود لتكملة ما بدءنا به .

التجربة جرت على النحو التالي :

قام مجموعة من العلماء بوضع 5 قرود في قفص واحد و في وسط القفص يوجد سلم و في أعلى السلم وضعوا كمية من الموز , وفي كل مرة عندما يصعد احد القرود لأخذ الموز يقوم العلماء برش باقي القرود بالماء البارد . بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع السلم لأخذ الموز تقوم القرود المتبقية بمنعه و ضربه ضربا شديدا حتى لاينالهم شر الرشق بالماء البارد . بعد فترة من الزمن لم يجرء أي قرد مهما كان على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات المتاحة له وذلك خوفا من الضرب الذي يتلقاه من باقي القرود. بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قردا جديدا. فأول شيء يقوم به القرد الجديد هو صعود السلم ليأخذ الموز ولكن على الفور تقوم القرود الأربعة المتبقية بضربة واجباره على النزول . بعد عدة مرات من الضرب المتكرر يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يعرف ما هو السبب الحقيقي لضربه ومنعه من الصعود.

وللمرة الثانية قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد اخر و حل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لا يعرف لماذا يضرب ! و هكذا دواليك تكررت حالة التبديل حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة بحيث اصبحت كل القرود الخمسة المتواجدين في القفص قرود لم يرش عليهم الماء البارد أبدا و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا السبب الرئيسي لهذا الضرب المتكرر والمنع القصري لمن يريد اخذ وأكل الموز من اعلى السلم !

ولو فرضنا ..

و سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟ هذا اذا اهتموا لسؤالنا أصلا !
أكيد سيكون جوابهم وبمنتهى الثقة : لانعرف ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا له ضاربين .

عجيب نطقوا بلسان حال بعض ساستنا العظام !

أذن هي “عادات وتقاليد سياسية ” تربى عليها القرود . فأمست سياسة القرود المحنكة متبعة جيلا بعد أخر !

ويمكن هي نفس العادات والمبادئ والتقاليد والاراء السياسية التي تربى عليها بعض ساسة العراق اليوم ! لانها مكتسبة من ساستهم الاوائل الذين علموهم الف باء السياسة على اصولها القردية !

وسؤالنا الاهم هنا هل ياترى أن بعض سياسيين العراق المخضرمين يعلمون من اين جاءوا بمبادئهم وعاداتهم واعرافهم وتقاليدهم السياسية والتي تلزمهم اليوم بما يقومون به من افعال مشينة تجاه الشعب العراقي وكيف تربوا عليها ولماذا ؟! اكيد سيكون جوابهم . بالضبط لا نعرف ! ولكن نحن تعلمناها من ساستنا العظام الاوائل والذين هم كانوا للشعب العراقي ظالمين و بالحديد والنار والغش والحيلة دهرا من الزمن له حاكمين و نحن اليوم لسياستهم حافظين !!
و هل يا ترى من اي باب في علم السياسة ؟ هل هو من باب الوعي السياسي ام من باب الغباء السياسي ؟

هذا ما ستجينا عليه الايام القادمة !!
والمصيبة لو تغابت علينا الايام وصنفتها بالوعي السياسي ! وتيتي تيتي ....

أ.د.أقبال المؤمن

الأربعاء، 10 مارس 2010

كيف تتم صناعة الغباءوالخوف ؟

مجموعة من العلماء و ضعوا خمسة قرود في قفص واحد
و في وسط القفص يوجد سلم و في أعلى السلم هناك بعض الموز
في كل مرة يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد
بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز, يقوم الباقين بمنعه
و ضربه حتى لا يرشون بالماء البارد
بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات خوفا من الضرب من زملاءه
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قرد جديد
فأول شيء يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم ليأخذ الموز
ولكن فورا الأربعة الباقين يضربونه و يجبرونه على النزول
بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب
قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد
و حل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لايدري لماذا يضرب
و هكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة
حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدا
و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب
لو فرضنا ..
و سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟
أكيد سيكون الجواب : لا ندري ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا له ضاربين
“عادات وتقاليد”

هناك شيئين لا حدود لهما ... العلَم و غباء الإنسان
هكذا قال أينشتاين

الأحد، 7 مارس 2010

العراقيون بريئون من النفاق وازدواجية الشخصية..أ.د. قاسم حسين صالح

الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر
تعمد وسائل الاعلام العراقية والقنوات الفضائية العربية الى التركيز على الظواهر السلبية في المجتمع العراقي المعاصر، وتستنج منها صفات تنسبها الى (الشخصية العراقية) بعين التضخيم وحكم التعميم، وتغفل حقيقة كبيرة هي لو أن ما أصاب المجتمع العراقي في السنوات الثلاثين الأخيرة أصاب أي مجتمع آخر..لانهار،
لأن في الشخصية العراقية " ثوابت" صمدت بوجه عواصف الأنهيار..ونتجاهلها للأسف. ولأنني أكاديمي،درسّت مادة (الشخصية) أكثر من ربع قرن، ولي فيها مؤلفات تدرّس في جامعات عراقية وعربية،وأشرفت على أكثر من خمسين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه معظمها لها علاقة بالشخصية، ولأنني " برفيسور " من عشرين عاما،فانه من حقي أن " أفتي " بما أنا مختص فيه، ومن واجبي أن أنصف العراقيين بتبرئتهم من صفتي النفاق وازدواجية الشخصية، اذا كان المقصود بذلك أن العراقيين ينفردان بهما، أو أنهما توجدان في المجتمع العراقي بنسبة أكبر من وجودهما في المجتمعات الأخرى.
فالذي يحز بالنفس،ليس الأشقاء والجيران فقط من ينعت العراقيين بهاتين الصفتين، بل حتى نحن نرى كذلك. ففي دراسة ميدانية أجريتها على عينة من أساتذة الجامعة (وهم نخبة اجتماعية) وضعوا صفتي النفاق وازدواجية الشخصية بالمرتبة الأولى بوصفهما أكثر الصفات السلبية شيوعا بين العراقيين.
النفاق..مفهومه وأنواعه

لنبدأ بـ"النفاق " ولنتعرف على مفهومه وأنواعه وخصائص المنافق وما اذا كان فعلا " ماركة مسجلة " باسم الشعب العراقي أم أن هذه الصفة ألصقت به لأغراض ودوافع معينة.
يعدّ الإسلام أكثر الأديان تنبيها الى الابتعاد عن النفاق والتحذير منه إذ خص النفاق بسورة كاملة في القرآن الكريم بعنوان (المنافقون) و بآية صريحة بسورة البقرة:" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام"،204. وكان المقصود به " الأخنس بن شريق فقد كان هذا الرجل حلو اللسان عذب المنطق معسول الكلام، وكان اذا لقي النبي محمد (ص) أغدق عليه بكلمات الحب والمودّة والإطراء وأنه مسلم، وكانت له عبارة يختم بها كلامه بقوله: يعلم الله أني صادق " فيما حقيقته عكس ذلك وأنه ألدّ الخصام، ولهذا قيل بالمنافق في الدين هو من ستر كفره وأظهر إيمانه، فيكون بوجهين، وفي هذا يقول النبي محمد (ص): " من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائنا من كان ".
والنفاق على أنواع:

نفاق اجتماعي: مثال ذلك جار يكره جاره وحين يلتقيه يبدو له كما لو أنه يحبه.

نفاق وظيفي: مثال ذلك موظف يكثر من كلمات الترحيب والاطراء حين يدخل عليه مديره،وما أن يخرج هذا المدير ويعطيه ظهره حتى يسبه بيده.

نفاق عاطفي: كأن يظهر الشخص مشاعر الحب وانفعال العشق نحو امرأة لا يحبها في حقيقته ولكنه يريد أن يتزوجها طمعا في ثروة لديها أو لأنها ابنة رجل يمتلك سلطة أو جاها.

ونفاق سياسي: ويعني اظهار الفرد تأييده للسلطة فيما هو يلعنها في داخله.

ويبدو أن النفاق السياسي هو المقصود من وصف العراقيين به، بمعنى أن العراقيين يؤيدون في الظاهر من يستلم السلطة ويخفون عدم رضاهم عنه، ويمدحون الحاكم في وجوده ويذمونه في غيابه، ويظهرون للمسؤولين مشاعر الودّ والاحترام ساعة يلتقون بهم ويسلقونهم بألسنة غلاظ حين يغادرونهم.
الحجاج..ونفاق العراقيين

يعد الحجاج أول حاكم في العراق(حكمه عشرين سنة) ألصق صفة النفاق بالعراقيين وأكثر من عمل على أشاعتها بين الناس. ففي خطبته المعروفة بمسجد الكوفة خطـب قائلا:
والله يا أهل العراق أني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها واني لصاحبها، والله لكأني أنظر الى الدماء ترفرف بين العمائم واللحى...يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، أنكم طالما اوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مناخ الضلال وسننتم سنن العي،
وأيم الله لألحونكم لحو العود ولأقرعنكم قرع المروة ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرائب غرائب الإبل....
وواضح من هذا الكلام الذي كان على الملأ في أجواء خطبة أن الحجاج كان متحاملا على العراقيين وأنه كان لديه تصور سيئ مسبق عنهم، وأنه جاءهم مهددا ومعاقبا ومتوعدا باستخدام كل الأساليب لتأديبهم وإخضاعهم..والغريب أنه قال هذا الوصف والوعيد بصيغة التعميم على العراقيين ولم يستثن منهم أحدا.
وغاضه العراقيون أكثر حين قال لغلامه أقرأ كتاب أمير المؤمنين، فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين الى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم ". فسكت الحاضرون فقال الحجاج من فوق المنبر: (أسكت يا غلام فسكت، فقال: يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق، يسلّم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام، والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم..ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ فيكم من جسده وفي نفسه شغلا).
وأمر الغلام أن يقرأ من جديد فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما بلغ موضع السلام صاحوا: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته.
ويعترف الحجاج بان العراقيين أتعبوه واصلعوا رأسه:(يا أهل العراق، أتيتكم وأنا ذو لمّة وافرة أرفل فيها فما زال بي شقاقكم وعصيانكم حتى حص شعري). ويبدو أن وصف الحجاج للعراقيين بالنفاق له علاقة بالإمام علي بن أبي طالب في قوله: (يا أهل العراق، ما شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر كاذب إلا كنتم أشياعه واتباعه وحماته وأنصاره).. إذ يرى المفسرون أن المقصود بالمشاغب هو علي بن أبي طالب، وأن أهل العراق هم اتباعه، وأن معظم أفراد جيش علي من العراقيين.
شهادة من التاريخ
من يستعرض تاريخ العراقيين في علاقتهم بالسلطة يجد أن صفات المنافقين لا تنطبق عليهم لأن تاريخهم يحدثنا بأنهم كانوا أكثر شعوب المنطقة قياما بالثورات والانتفاضات ضد السلطة، ولو أن النفاق كان هو الصفة الغالبة عليهم لكانوا هادنوا السلطة وعاشوا معها في وئام وسلام ولكانوا أكثر شعوب المنطقة استقرارا. لكن حقائق التاريخ تقول لنا أن العراق كان لا يستقر على حال لمدة طويلة، وأن " مقاومة السلطة " تصح أن تكون هي " الماركة المسجلة " باسم العراقيين اكثر من " ماركة " النفاق، لأن الشعب المنافق لا يثور ضد السلطة إنما يتملق لها أو في الأقل يتركها لحالها ولا يقف بوجهها.
ومن يتصفح كتب التاريخ يجد فيها من يصف العراقيين بأنهم قوم يمتازون بعنفوانهم ويعتقدون برفعتهم وعلو شأنهم وأنهم كانوا حتى قبل الإسلام كبارا، أعزّة..ما استسلموا لضيم وما رضخوا لظالم ولا انبطحوا لسلطة. ولهذا كانت اعتراضاتهم متكررة على الولاة، وكان الخلفاء الراشدون أول الحكام في التاريخ الإسلامي الذين فهموا سيكولوجية العراقي فكانوا يراعون العراقيين في التعامل ويأخذون اعتراضاتهم مأخذ الجد. ونجد لدى الجاحظ تفسيرا لطيفا فيه بعد سيكولوجي للشخصية العراقية بقوله:
(والعلّة في عصيان أهل العراق على الأمراء...أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء واظهار عيوب الأمراء...وما زال اهل العراق يوصفون بقلة الطاعة والشقاق على أولي الرئاسة).
النفاق..ظاهرة اجتماعية

يصور الأمر وكأن النفاق خاص بالعراق فيما هو ظاهرة اجتماعية موجودة في المجتمعات البشرية لكنها تختلف في مدى انتشارها ونوع النفاق الأكثر شيوعا حين نوازنها بين الشعوب. فالمجتمعات التي تتبنى أنظمة الحكم فيها الفلسفة البراغماتية تكثر فيها ظاهرة النفاق الوظيفي. ففي المجتمع الأمريكي مثلا تحول الإنسان الى سلعة تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء، ويكون لا كما يريد هو أن يكون بل كما يريد له المشتري أن يكون، حتى لو اقتضى الأمر أن يتجرد من قيمه، وفقا لتحليل عالم النفس والناقد الاجتماعي الكبير أريك فروم.
وفي المجتمعات التي تتبنى أنظمة حكم دينية، يكثر النفاق الديني، بمعنى إظهار الالتزام المتشدد بالدين واخفاء حقيقة الرغبة في التحرر من هذا التشدد. وفي مجتمعات أنظمة الحزب الواحد يكثر النفاق الايديولوجي، بمعنى إظهار الإيمان بمبادئ الحزب الحاكم واخفاء عدم الاقتناع بها، كما كان الحال في الاتحاد السوفياتي سابقا ودول أوربا الشـرقية.
ونرى أن الذي يحدد نوع النفاق ومدى شيوعه ثلاثة عوامل أساسية هي: الفلسفة التي تتبناها السلطة، وأساليب التعامل التي يعتمدها النظام في إدارة شؤون الناس وحكم المجتمع، وطبيعة الأحداث التي تقع له وما ينجم عنها من تغيير أو تخلخل يصيب المنظومات القيمية للناس.
والذي يستعرض تاريخ هذه العوامل الثلاثة في العراق يجد أنها تتصف بعدم الاستقرار، وأن السلطات التي توالت على حكم العراق،لاسيما الأجنبية منها وبخاصة الحكم العثماني، كانت تتعامل مع العراقيين بقسوة ولم تكن عادلة في حكمها للناس وتحديدا في توزيع الثروة، وأن الأحداث التي واجهها العراقيون عبر تاريخهم الطويل كانت في معظمها كارثية، منذ أن هاجر إليه أشد المحاربين من الأقوام المجاورة قبل آلاف السنين الى الحال الذي ينفرد به الآن بين الشعوب في فواجعه الكارثية التي لا يستوعبها وصف. فماذا نتوقع من شعب يعيش هذه الأحوال؟ وكيف يتكيف من اجل أن يضمن سلامته " الحاجة النفسية الى الأمن " أولا وأن يؤمّن " حاجات الحياة الفسلجية والمادية " ثانيا؟.
ومع احترامنا للشعوب فأننا نعتقد أن لا منصف يعترض على قولنا لو أن ما أصاب الشعب العراقي أصاب شعبا آخر لكان في حال آخر لا كما عليه العراقيون الآن الذين يصرّون، برغم ما حصل ويحصل لهم من فواجع،على بقاء العراق موحّدا وكأنهم يرون أن العراق قلبهم اذا قطّعوه ماتوا بموته !.
لقد أفرزت الأحوال الكارثية المحمّلة بالضغوط النفسية الحادّة والحياتية المتنوعة التي عاشها العراقيون،ثلاثة أصناف بارزة في المجتمع العراقي في ما يخص العلاقة بالسلطة،هي:
فئة المسالمين، الذين يعدّون السلطة " شرّا " وأن البعد عنها أسلم.
فئة المعارضين للسلطة الذين وقفوا بوجهها وعملوا على الإطاحة بها، ونظّموا أنفسهم في أحزاب سياسية وحركات دينية وتجمعات وطنية أو عشائرية.
وفئة المنافقين الذين يظهرون للسلطة عكس ما يخفون، يتوددون لها طمعا في سلطة أو مال أو جاه أو دفعا لشرّ يتوقعونه.
ونرى أن الفئتين الأولى والثانية (المسالمون والمعارضون) هما أكثر الفئات شيوعا بين العراقيين خارج نظام السلطة وأجهزتها، بمعنى أن المنافقين هم الفئة الأقل في المجتمع.غير أن طبيعة السيكولوجية البشرية أنها تميل الى التقاط عيوب الناس وتضخيمها.ولأن العراق قد وضع نفسه على سكة الديمقراطية وصار يشكل خطرا على أنظمة معينة،فان المغرضين فيها استغلوها في الاساءة للعراقيين قاصدين منها أن شعبا منافقا لن ينجح في مواصلة سيره على سكة الديمقراطية.
ازدواج الشخصية

حين عاد الدكتور علي الوردي منهيا دراسته في امريكا القى محاضرة في بداية خمسينيات القرن الماضي وصف فيها الفرد العراقي بأنه مصاب بازدواج الشخصية.ومع أنه أشار بالنص أنه لا يدّعي " بأن هذه المحاضرة بحث قد استوفى شروطه العلمية " إلا أن عددا من الباحثين والناس بشكل عام عدّوا ما قاله حكما قطعيا، واستلطفوه وظل المفهوم شائعا الى يومنا هذا.
والخطأ العلمي الذي وقع فيه أستاذنا الكبير (وتربطني به صداقة وأهديت كتابي الشخصية العراقية الذي اصدرته "الصباح" الى روحه الطاهرة) هو أنه طبّق مفهوما طبيا نفسيا على سلوك اجتماعي عدّه ظاهرة.
فأصل المصطلح يعود الى ظهور حالة واقعية في أمريكا لفتاة أسمها "Sybil"كانت لها ثلاث شخصيات: شخصية عادية، موظفة تمارس عملها حسب الأصول، وشخصية متدينة تذهب الى الكنيسة في أيام الآحاد، وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل.. وكان لكل شخصية اسم خاص بها ولا تعرف إحداهن الأخرى. ولأن الحالة مثيرة فقد التقطتها السينما وحولتها الى فلم بعنوان " ثلاثة وجوه لحواء، Three Faces of Eve"عرض عام 1957.
وللإيضاح فان ما يحدث في هذا الاضطراب " الفانتازي "، الذي ما يزال يثير الجدل، أن الشخصية الأصلية أو المضيفة يحل أو ينزل عندها ضيوف هي الشخصيات البديلة. فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد (الأصلية والضيفة) فانهما تتناوبان السيطرة، والمثال الكلاسيكي هو " دكتور جيكل ومستر هايد " حيث يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب فيما يتحول في الليل الى مجرم سفّاح باسم هايد.. وهو رواية حولت الى فيلم سينمائي ايضا.
ولأن السينما والصحافة أشاعت في الخمسينيات هذا المفهوم الذي اثار استغراب الناس ودهشتهم فان الوردي استعاره وتحمل - دون قصد - تحويل أو ترحيل مفهوم يتعلق بمرض نفسي يصيب أشخاصا معدودين الى مفهوم اجتماعي يصين الملايين من الناس.
وليته استخدم المفهوم مجازا أو استعارة إنما استخدمه بنفس المعنى الشائع لمرض ازدواج الشخصية في الخمسينيات. لكنه يقول بالنص:" إن العراقي هو في الواقع ذو شخصيتين، وهو إذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الأخرى.. وانه اذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمردّه الى ظهور نفوس أخرى فيه (لاحظ هنا تعدد وليس ازدواج) لا تدري ماذا قالت النفس الأولى وماذا فعلت). وواضح لجنابك أن الوصف هذا ينطبق على حالة مرضية صرفة. إن الذي قصده الوردي هو على وجه التحديد:(التناقض بين الأفكار والسلوك)، بمعنى أن السلوك الذي يتصرف به الفرد يتناقض أو يتعارض مع الفكرة أو القيمة التي يحملها. وإليك بعض الأمثلة مما يذكر:
" إن العراقي، سامحه الله، أكثر من غيره هياما بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته، ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته "
" ومن العجيب حقا أن نرى بين مثقفينا ورجال دين فينا من يكون ازدواج الشخصية فيه واضحا: فهو تارة يحدثك عن المثل العليا وينتقد من يخالفها، وتارة يعتدي أو يهدد بالاعتداء لأي سبب يحفزه الى الغضب تافه أو جليل، ضاربا عرض الحائط بتلك المثل التي تحمس لها قبل ساعة ".
إن مثل هذه الحالات بعيدة جدا عن أن نصفها بـ" ازدواج الشخصية " إنما هي تناقض بين الأفكار والسلوك، أي أن الفرد يؤمن بقيمة أو يتبنى فكرة أو يدعو لها أو يصرّح بها لكنه يتصرف بسلوك مناقض لها، كأن يدعو الى أن تمارس المرأة العمل ضابطا في الشرطة أو الجيش غير أنه يمنع ابنته من التقديم الى كلية الشرطة أو الكلية العســــكرية.
وعليه فان الأصوب علميا وعمليا أن نصف ذلك بـ " تناشز الشخصية " الذي يعني التنافر أو التناقض أو عدم التطابق بين ما يعتقد به الفرد وبين ما يقوم به من سلوك.
وطبيعي أن ابتكار مصطلح جديد لن يزحزح مصطلحا استقر في ذاكرة الناس منذ نصف قرن حتى لو كان أكثر انطباقا على الحالة، فضلا على أنهم كانوا استلطفوه وأشاعوه.
ان هدفنا ليس تفنيدا أو تقويما لطروحات أستاذنا الكبير الوردي الذي يبقى عالم اجتماع فذاً يدهشنا بنباهته وفطنته وعمق تحليله ويمتعنا بأسلوب عرضه وجزالة لفظه وسهولة معناه الذي جاء من نوع السهل الممتنع، إنما هدفنا تبرئة العراقيين من وصفهم بازدواجية الشخصية بمفهومه العلمي وبانفرادهم به عن باقي الشعوب.
العراقيون...شعب رائع

لكل شعب جميله وقبيحه..لكن ما هو جميل في الشعب العراقي له نكهة خاصة..مميزة. فجميله أشبه ببستان ورود تعددت فيه أنواعها والوانها وتنوعت فيه روائح عطورها. في العلم، خذ التعليم العالي مثلا تجد أن العقل العراقي ظل صامدا وبنى جامعات في اليمن وليبيا ودول الخليج برغم أربعة حروب كارثية وثلاث عشرة سنة عانى فيها أساتذة الجامعة حصارا اقتصاديا قاسيا وعلميا وثقافيا.
وفي الطب تجد الأطباء العراقيين مميزين على المستويين العربي والعالمي.وفي أرقى أنواع الهندسة...المعمارية..يكفي أن تشير الى زها حديد.
وفي الشعر، يكفي ان تذكر المتنبي والجواهري ومظفر النواب ونازك ولميعة عباس عمارة والسياب الذي يعد أول شاعر عربي يخرج على قواعد الشعر ويسير على دربه المحدثون.
وفي الثقافة لك أن تتذكرظهور مئات الصحف والمجلات بعيد السقوط (نيسان 2003). والعراق الآن هو الدولة التي تحتل المرتبة الأولى في عدد القنوات الفضائية والاذاعات في المنطقة، والأولى ايضا في عدد الأحزاب والكتل السياسية وتنوعها بين اسلامية وعلمانية.
والعراقيون هم أول من ابتكر آلة موسيقى وأول من ألّف أغنية وأول من كتب ملحمة خالدة..جلجامش..ولك أن تضيف أول وأول ما شئت من فنون الابداع في ميادين المعرفة. وأنت أينما وليت وجهك في بلدان العالم تجد العراقي مميزا ومنافسا للمبدعين من أهلها حتى في برطانيا وأمريكا. ولو أنك جئت بخمسهم لجعلوا الوطن في حال آخر. والعراق ينفرد عن باقي بلدان العالم بامتلاكه ثلاث ثروات: تحت الأرض وفوق الأرض وفي رؤوس أهله.. أعني العقول.وكيقيني بأن الشمس تشرق غدا..فان في المجتمع العراقي ثوابت تمنحنا نفس اليقين بأنه سيأتي يوم يكون فيه العراق جنة الله في الأرض.

*رئيس الجمعية النفسية العراقية